لماذا تدهورت العلاقة بين الأستاذ والتلميذ في الوقت الحالي ؟

تدهور العلاقة بين الأستاذ والتلميذ

تعتبر المدرسة في أي مجتمع من المجتمعات أساسا وركيزة للتنمية والبناء الحضاري , فهي تشكل بعد العائلة المؤسسة الاجتماعية التى تقوم ببناء جيل المستقبل . فالمدرسة هي مجال اجتماعي تربوي تجتمع فيه عقليات مختلفة تحت لواء المنظومة التعليمية , مع اختلاف الأدوار بين الأستاذ والتلميذ . ولاشك أن عملية التواصل بين الأساتذة والتلاميذ هي القناة التي عبرها تمر العملية التعليمية وبدونها فلا وجود لتعليم أوتربية . ومن هذا المدخل , تبرز المدرسة كفضاء مؤثر وفاعل في تكوين وتشكيل شخصية التلميذ الاجتماعية في مختلف أبعادها المعرفية والوجدانية والمهنية . وبالتالي هي تلعب دورا أساسيا في تحديد ملامح شخصية مواطن الغد , لذلك فهي مطالبة بتوفير ظروف مناسبة للتعلم وبارساء علاقات تسهم في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي لدى المتعلم , من خلال ضرورة تمتين وتعزيز التواصل الايجابي بين المدرسين والتلاميذ .
فلا أحد ينكر أهمية العلاقة بين الأستاذ والتلميذ وأثرها على النجاح , وتأهيله ليكون عضوا فاعلا في مجتمعه , قادرا على مواجهة ظروف الحياة ومتحملا لأعباء رسالته فيها . الا أن هذه العلاقة السليمة في الوقت الحالي لا تشكل بالضرورة قاعدة في المدارس والمعاهد التونسية , بل في العالم بأسره , حيث تدهورت العلاقة بين الطرفين وباتت متوترة جدا , وليس مثلما كانت في الماضي , حيث تربينا منذ سنوات طفولتنا الأولى على وجوب احترام المعلم والأستاذ وحفظنا عن ظهر قلب البيت الشعري الشهير الذي يقول ” قم للمعلم وفه التبجيلا , كاد المعلم أن يكون رسولا …”. فهل مازال هذا الاحترام والتقدير بين الجانبين مستمرا اليوم ؟

لقد باتت هذه القضية تستأثر باهتمام الخاص والعام في المجتمع التونسي وتثير قلقا كبيرا , فهي قضية شائكة شديدة التعقيد وتحتاج الى نقاش عميق ومسؤول يشارك فيه الجميع , لأنه يهم الجميع ويكتوي بناره الجميع . لذا فنحن اليوم أحوج من أي وقت مضى الى معالجة هذه المعضلة , لأن كل اضطراب في هذه العلاقة ينذر بفشل ذريع للممارسة التربوية والتعليمية وبمعظم المشاريع التي جرت في المدرسة التونسية خلال السنوات الماضية , ويضيع قيمتها ويفسد من أهدافها وثمارها العاجلة والآجلة . فما هي أهم الأسباب التي تؤدي الى سوء وتدهور هذه العلاقة المقدسة ؟ وهل أصبحت عملية التواصل بين الأستاذ والتلميذ ” مهمة مستحيلة ” ؟

لعل أن أغلب العلاقات الانسانية في أبعادها المختلفة داخل المجتمع والأسرة ولاسيما المدرسة في واقعنا المعاصر , تشهد تدهورا وانحدارا شديدا نتيجة هيمنة الأنانية والقيم المادية ,فكل أنواع العلاقات تعاني أزمة حادة في التواصل , ومن ثم تدهور العلاقة بين الأستاذ والتلميذ داخل الوسط المدرسي كانعكاس طبيعي للقيم السائدة في المجتمع . فعلاقة التلميذ بأستاذه متغيرة وهي متأثرة بالتغيرات الاجتماعية في العلاقات بين الأفراد . بعدما كان المدرس مثالا للقدوة والاحترام , بات توقيره واحترامه على المحك . لقد تدنت العلاقة بين الأستاذ والتلميذ , سيما في الوقت الراهن , أين تغيرت العقليات وغابت القيم والمبادئ وأصبحت هذه الوضعية الخانقة تتخبط فيها المدارس والمعاهد التونسية . فما هي الأسباب الحقيقية وراء حدوث هذا الشرخ بين الأستاذ والتلميذ ؟؟؟
ان ما يؤكد بتدهور هذه العلاقة وضعف الصلة بينهما , ما يعج به واقعنا من أحداث صادمة آل اليها واقعنا التربوي والتعليمي في تونس , من انتشار متصاعد لظاهرة العنف المدرسي عموما , والعنف بين الأستاذ والتلميذ على وجه خاص , حيث تفيد التقارير ارتفاع نسب العنف بين الطرفين بشكل مقلق سواء داخل الفصل الدراسي أو المؤسسة التعليمية أو حتى خارج أسوارهما . ولقد تعددت أشكال العنف وصوره بين العنف اللفظي والنفسي ( كالسب والشتم والتجريح والتهكم والتحقير والاذلال النفسي ..) الى العنف الجسدي ( كالضرب والجرح ) قد يتطور في بعض الأحيان الى القتل , وهو دليل على ثمرة فاسدة لتأزم العلاقة واضطرابها !!!

وأدى هذا الوضع المتأزم والأجواء المشحونة الى نفوروكره عند الكثير من التلاميذ للمدرسة , حيث ارتبطت عندهم بذكريات سيئة ومؤلمة , كما صار العمل بوظيفة التدريس مسكونا بهواجس مثبطة لعزيمة الأستاذ وصارت مهنة المتاعب والقلق والمخاطر لدى فئات كثيرة من رجال ونساء التعليم , يشعرون بتضجر كبير وغبن عميق .

فلا ريب فيه , أن توتر هذه العلاقة تعود الى عوامل عديدة منها انهيار مكانة الأستاذ الاجتماعية وتقلص دوره المجتمعي , حيث تراجعت قيمته بين الناس . فأمام فشل المنظومة التعليمية وبؤس الاصلاحات المتعاقبة وتفريخ آلاف العاطلين من المدرسة وتراجع المستوى التعليمي , وصلت قيمة المدرس الى الحضيض . لذلك تراجعت قدسية الأستاذ ووصلت الى درجة الاستخفاف والاحتقار , بل انها تحولت الى علاقات يسودها التوتر ويطغى عليها العنف . اضافة الى تنوع مصادر المعرفة والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , الأمر الذي ساهم في انهيار مكانة الأستاذ من أعلى الطبقة المتوسطة الى أدناها ماديا ومعنويا , كما أن الاعلام لعب بدوره في هدم علاقة التوقير والتقدير بين الأستاذ والتلميذ ( اضرابات وتغيبات ودروس خصوصية …) الى جانب ذلك البرامج المعتمدة بعيدة عن الواقع التونسي ولا تواكب المتغيرات الاقتصادية وليست وليدة الحاجيات الاجتماعية التي تنطلق من واقع التلميذ , فجلها نظريات مثالية بعيدة عن الواقع ولا تتوفر لها الامكانيات المادية اللازمة لتفعيلها , وهذا ما يخلق تنافرا بين التلميذ الذي يحس بالفشل الدراسي والأستاذ الحائر أمام حالة من المتناقضات : فمن جهة عليه أن يطبق التعليمات التربوية الرسمية ويأخذ بعين الاعتبار المستويات المختلفة جماعيا وفكريا بالنسبة لجميع التلاميذ , وفي نفس الوقت عليه أن يتحدى جميع الصعوبات المطروحة ليخلق علاقة نموذجية مع التلميذ , وهذا لن يأتي أبدا في ظل الظروف الراهنة .

ولا ننسى أيضا , أن سبب تدهور هذه العلاقة يعود , وهي بصراحة حقيقة مرة , الى نسيان بعض الأساتذة لمهامهم التربوي ولرسالتهم النبيلة وانشغالهم بجمع المال من خلال الدروس الخصوصية , حيث بات التلميذ مصدرا للاستثمار وهذا أضر بصورة المربي بصفة عامة . كما يرجع هذا التوتر الى كثير من سوء الفهم المتبادل وخاصة بين الأساتذة المبتدئين وتلاميذهم نظرا لعدم امتلاك هؤلاء للخبرة الكافية التي تخول لهم التعامل بطريقة سليمة مع التلميذ وخاصة المراهق , حيث عادة ما يبالغون في الجدية والتشدد وهذا الأمر لا يروق للمراهق الرافض بطبيعته للغة التسلط والقهر , فينطلق بذلك الصراع بينهما ويشتد عند استعمال بعض الصفات والنعوت المستفزة , مما يجعل المراهق أكثر عصبية ويرد الفعل معتقدا أن عدم سكوته على الاهانة التي لحقته من أستاذه دليل على قوته .

وهكذا ان العوامل التي تقف وراء هذا التدهور تؤكد على خطورة الوضع الذي تعيشه منظومتنا التربوية , آن الأوان في اعادة اعتبار الانسان كانسان وتربيته سواء في الأسرة أو في المدرسة واتخاذ الوسائل التي تكفل عودة العلاقة بين التلميذ والأستاذ الى سياقها الطبيعي , والذي يسود فيها التواصل والاحترام المتبادل بينهما والحوار البناء والموضوعي واحترام الرأي الآخر . فبناء الانسان يأتي قبل بناء كل شئ وهذا ما يحتاجه تلاميذنا اليوم .

فردوس كشيدة

فردوس كشيدة أستاذة أولى فوق الرتبة ومتحصلة على الأستاذية في الحقوق اختصاص قانون خاص من كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة….

المزيد عن الكاتب

المصدر: الصّدى.نت

مقالات ذات صلة

الفاقد التعلمي مشكلة خطيرة تواجه التعليم وتحتاج لتدخلات ملائمة وناجعة

تعتبر ظاهرة الفاقد التعلمي (أو ما يعرف بالخسارة التعليمية أو الهدر المدرسي) واحدة من المشكلات الخطيرة التي تواجه القطاع التعليمي في مختلف مناطق العالم، وهي تظهر بوضوح وبمعدل أكبر في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة، وبرزت ظاهرة الفاقد التعليمي بقوة في معظم أنحاء العالم خلال جائحة كورونا وما رافقها من إغلاق طويل للمدارس والجامعات، وما تخللها من تحول من التعليم الوجاهي إلى التعليم عن بعد دون استعداد وجاهزية مسبقين في بداية هذا التحول.

لماذا العلم نور؟

العلم نورٌ وسبب للتخلّص من الجهل وتوسع المدارك والإقبال على المعرفة من أوسع أبوابها، لهذا فالعلم مهم جدًا حتى تتقدّم الأمم ويتطوّر الفرد والمجتمع، ومن أراد أن يتطوّر ويلحق بركب العلماء فعليه أن يطلب العلم بشغفٍ كبير، وأن يضع هدفًا أمامه حتى يُحقّقه باستخدام العلم، فالعلم هو الشمس التي تُشرق في العقول والقلوب وهو سببٌ لنجاة من يطلبه من الغرق في ظلام الجهل،.

السر الكيميائي للماء

لا يوجد جزيء آخر يضاهي الماء في خصائصه الكيميائية الفريدة التي تدعم الحياة، إذ لا يستطيع فقط إذابة أي شيء تقريبا، ولكنه إحدى المواد القليلة التي توجد في صورة صلبة وسائلة وغازية ضمن نطاق درجات الحرارة على الأرض

أهمية تعلم اللغة الإنجليزية

في عالم اليوم، تزداد أهمية التعددية اللغوية. بالإضافة إلى فتح فرص العمل، تساعد القدرة على التحدث بلغة أجنبية على إقامة إتصال حقيقي مع الناس ومعرفة المزيد عن الثقافات والأماكن وأنماط الحياة المتنوعة. كلما زادت مهارتك اللغوية، كلما تمكنت من التعبير عن نفسك بشكل أفضل.

ما هي أشعة الليزر (LASER)؟

أشعة الليزر هي أشعّةٌ ضوئيةٌ ضيّقةٌ للغاية، عاليّة الطّاقة، شديدة التماسك زمانيًا ومكانيًا لها أطوالٌ موجيّةٌ متشابهةٌ جدًا (أُحاديّة اللّون)، تكون فوتوناتها متساويّة في التردد ومتطابقة الطور الموجيّ، ممكن أن تكون مرئيّة أو غير مرئيّةٍ، يتُمّ إنتاجها من مصادرٍ غير طبيعيةٍ (جهاز إلكتروني بصري) عن طريق ضخّ أو تضخيم الفوتونات بطاقة أعلى عن طريق التصادم مع فوتونات أخرى وتختلف تمامًا عن المصابيح الكهربائية أو الفلاش.

الرّدود

jQuery(document).ready(function( $ ){ $( document ).on('jet-form-builder/ajax/on-success', function() { setTimeout(function() { $( '.jet-form-builder-messages-wrap').css('display', 'none'); console.log('hide'); }, 2000); }); });